الجمعة، 30 ديسمبر 2016

التعلم من خلال اللعب - الطفل الدارج (1 - 3 سنوات)

أهلًا بكم في المقال الثاني من سلسلة مقالات عن التعلم من خلال اللعب.. اتفقنا في المقال الأول أن اللعب هو وظيفة طفلك الأساسية منذ يصحو وحتى ينام ومن خلال اللعب يتعلم الطفل وتتطور مهاراته المعرفية واللغوية والاجتماعية والحركية ..نتناول اليوم ان شاء الله الطفل من عمر 1 - 3 سنوات وهي مرحلة عمرية فريدة من نوعها تعاصر فيها الأم انتقال طفلها من حالة "البيبي" الذي يحتاج إلى المساعدة إلى مرحلة الطفل الدارج الذي يتوق إلى الاحساس بالاستقلالية ويمر بحالة تشبه كثيرًا حالة المراهق الذى يسعى بكل الطرق لاثبات أنه صار رجلًا. ولنفهم كيف نستخدم اللعب كوسيلة للتعلم يجب أولًا أن نتعرف على تطور الطفل في هذه المرحلة واحتياجاته النفسية..



نبدأ بالاحتياجات النفسية.. أطلق العالم اريك اريكسون على هذه المرحلة في تطور الانسان مرحلة Autonomy versus shame and doubt  أو الاستقلال مقابل الخزي والشك [1].. يحتاج الطفل للشعور بقدرته على الاستقلال في هذه المرحلة ويحب جدًا ان يفعل كل شيء بنفسه خاصة في أموره الخاصة مثل ارتداء وخلع ملابسه وحذائه أو أن يأكل ويشرب بنفسه .. أن يجلس على كرسيه في السيارة وحده وكذلك ان يقوم بتقليد الكبار في كل أنشطتهم داخل المنزل وخارجه .. إذا لم يلبى احتياج الطفل للاستقلالية يبدأ في الشك بقدراته ويتكون داخله شعور بأنه "غير قادر" أو "لا يستطيع" .. يبدأ بالشك في قدراته وعدم الثقة بنفسه وهذا الشعور يؤثر سلبًا على تقدير الذات عند الطفل  self-esteem وعلى رغبته في الاستكشاف والمحاولة ويستمر هذا الشعور داخله حتى عندما يكبر فنجده قلق من محاولة عمل أي شيء جديد أو غير معتاد .. غير مبادر .. يخشى الابداع .. معتمد على الآخرين ومتردد في اتخاذ القرارات .. وكل هذا بسبب أنه لم تتاح له الفرصة لممارسة استقلاليته في المرحلة المميزة لذلك.. 

أما بالنسبة للشعور بالخزي والخجل فهو يتعلق برد فعل المحيطين لأخطاء الطفل في هذه المرحلة وهي أخطاء طبيعية تمامًا فالطفل يكتسب مهارات جديدة كل يوم بل كل لحظة ولا ينبغي أن نتصور أن الطفل يستطيع أن يتقن هذه المهارات في زمن قصير خاصة مع الاستعجال الدائم وكلمة "يللا" التي نكثر من استخدامها مع الأطفال للأسف ... ليس معنى انك علمت طفلك كيف يصب الماء في الكوب أنه لن يخطيء مرات وينسكب منه الماء .. ارتكاب الأخطاء هو جزء لا يتجزأ من اكتساب الطفل للاستقلالية وتطويره لقدرته على التحكم مثله مثل الكبير الذي يتعلم مهارة جديدة .. رد فعلنا في لحظات الأخطاء هو الذي يسبب أو يمنع شعور الخزي عند الطفل .. فإذا كان رد الفعل عنيف فإن الطفل يشعر بالخزي ويفكر أنه غير قادر وسوف يفكر كثيرًا بعد ذلك في محاولة عمل نفس الشيء الذي تم تعنيفه لأجله مما يؤثر على اكتسابه للمهارة .. بل قد يفقدها بالكامل .. الطفل يعرف أنه أخطأ وينتظر رد فعل الكبار فإذا كان رد الفعل أن كلنا نخطيء ونفسر لماذا حدث الخطأ ونفهم الطفل أن الأخطاء تحدث والمهم هو أن نصلحها ونحاول أن نتفادى تكرارها .. ونأخذ بيد الطفل ليصلح خطؤه بمساعدتنا في البداية مثلاً في حالة صب الماء نحضر له فوطة ليجفف الماء ..نحن بذلك نخلق انسانًا واثقًا واقعيًا مسئولًا يعرف كيف يتعامل مع أخطائه وأخطاء الآخرين. 

من المهم أن نتطرق هنا لمعلومة هامة عن جزء في المخ يسمى اللوزة الدماغية أو الأميجدالا Amygdala , وهي منطقة في المخ مسئولة عن تنظيم الانفعالات والذكريات والاستجابات... تستمد الأميجدلا المدخلات من داخل الجسم وأيضًا من خارجه عن طريق ادراك الحواس وتقوم بتحليل المعلومات الواردة لتحديد الانفعال أو الاستجابة المناسبة للمدخلات .. مثلًا إذا كان المثير الوارد للأميجدلا هو شعور الخوف فإن ردود الأفعال تكون زيادة ضربات القلب ، شد العضلات ، العرق البارد ، أو الإعياء والغثيان أو الاسهال والقيء في بعض الحالات الشديدة..  هذه الاستجابات الجسدية تجعل الجسم في حالة تسمى Fight or flight وهو نظام دفاعي داخلي خلقه الله داخلنا ليمكننا من النجاة في المواقف الخطيرة على حياتنا مثلًا أن نتحرك بسرعة شديدة من أمام سيارة قبل أن ترتطم بنا "flight " أو أن نهاجم بقوة شخص يحاول الاعتداء علينا "fight " .. تختزن الأميجدلا أيضًا الأحداث والانفعالات المصاحبة لها للرجوع إليها مستقبلًا .. مثل أن تكون أكثر حذرًا من السيارات لأنك تعرضت لحادثة سيارة في صغرك... وهذا هو موطن اهتمامنا الآن .. فماذا يحدث في مخ طفلك عندما تصرخين فيه إذا ارتكب خطأ ما نتيجة لاستكشافه؟ يختزن عقل الطفل رد فعلك ويستخدمه بعد ذلك في التعامل مع أي شخص يخطيء أمامه أو حتى مع نفسه .. وجميعنا نرى حولنا أشخاصًا بالغين لا يستطيعون التحكم في غضبهم ويلجأون لأكثر الطرق عنفًا عند اختلاف وجهات النظر.. هذا نتيجة طبيعية لتعرضهم أثناء طفولتهم لردود أفعال مشابهة وتتسم طفولة هؤلاء الأطفال بالعنف الشديد تجاه أقرانهم.. ولنقس على ذلك ردود الأفعال تجاه المخاوف أو الحوادث .. الخ.   ولذلك يجب على المربين الاهتمام بترشيد ردود أفعالهم أمام أبنائهم وتجاه أبنائهم لأنها ستشكل جزء كبير من ذكرياتهم وانفعالاتهم في المستقبل.  


ننتقل الآن لتطور الطفل في هذه المرحلة على مختلف المحاور مصحوبًا بالألعاب المناسبة لكل محور.
1- التطور الحركي:
-------------------
من عمر 12 - 18 شهر تتطور المهارات الحركية بشكل كبير عند الطفل فيستطيع أغلب الأطفال الجلوس والوقوف بدون مساعدة والمشي أيضًا ولكن قد يقع بشكل متكرر ولذا يحتاج إلى رقابة مستمرة .. يستطيع الطفل أيضًا في هذا العمر الامساك بأدوات الطعام فيمكنه أن يمسك ملعقة ويأكل بنفسه أو يمسك بكوب ليشرب وحده ولكن سنلاحظ أنه ما زال محتاج للتدرب على ذلك وقد يستخدم يديه في الأكل في نفس الوقت وعلينا أن نشجعه في هذه المرحلة فهو يحاول اتقان التحكم في العضلات الدقيقة لليدين وفي نفس الوقت يسعى لتحقيق احتياج نفسي مهم وهو الاستقلال فهي مرحلة مثالية لنبدأ تعويد الطفل أن يأكل ويشرب بنفسه بأدوات آمنة للأطفال وفي وجود الأم. عند عمر عامين يستطيع الطفل ركوب دراجة بثلاث عجلات كما يبدأ في الجري ولذا يجب الحذر في الشوارع لأنه سوف يحب تجربة مهارة الجري دون تفكير في العواقب. 

يمكنك مساعدة طفلك على التحكم في العضلات الدقيقة من خلال عدة أنشطة منزلية مثل أن يخلع ملابسه بنفسه بعد أن تحلي له الأزرار.. يمكنك البدء في تعليم الطفل أن الصندوق الكبير يحتوي على أشياء صغيرة مثل ألعابه فتتركين له صندوق به عدة ألعاب كبيرة الحجم وهو عليه استكشافها واللعب بها ثم بالتدريج تعليم الطفل أن يرجع الألعاب مرة ثانية إلى الصندوق وذلك بطريقة نشيطة حتى يشعر أنه يلعب وبذلك يتعود على ترتيب الألعاب .. يحتاج الطفل الدارج أن يبقى منشغلًا ولذلك اشغليه معك في أعمال المنزل.. يمكنه مساعدتك في نشر الغسيل أو جمع الغسيل على منشر داخلي.. يمكنه محاولة ادخال عدة علب بلاستيكية داخل بعضهم بترتيب الحجم أو عدة أكواب بلاستيكية داخل بعضهم .. يمكنك اعطاؤه ملعقة وطبق صغير به بعض المربى او الجبن وقطعة توست واتركيه يحاول تجهيز سندويتش لنفسه أو موزة يقشرها بنفسه. أما الألعاب المفضلة في هذا العمر فهي المكعبات الكبيرة بأحجام وألوان مختلفة والبازل بقطع كبيرة ومصنف الأشكال .. يمكن أيضًا البدء في أنشطة اللضم باستخدام حلقات خشبية كبيرة الحجم من عمر 18 شهر.  كذلك الصلصال أو عجينة اللعب تساعد الطفل كثيرًا على تطوير العضلات الدقيقة وكلما كانت العجينة طرية أكثر كلما كانت أسهل على الطفل في التحكم وأيضًا اللعب في الرمل على الشاطيء أو في الحديقة.

قد يبدأ طفلك في هذه المرحلة في الامساك بقلم ورسم "شخبطة" على الحائط او الأثاث .. أتوقع منك ألا تصرخين بل من المؤكد أنك قد فهمت تمامًا أن هذه المرحلة الحساسة له ليبدأ في الابداع الفني .. ليست مرحلة كتابة ابدًا .. لا يبدأ الطفل في تعلم الكتابة قبل 5 سنوات ... ولكن يتهيأ لذلك من عمر 18 شهر عن طريق التلوين بالأصابع على ورق كبير أو بألوان الماء باستخدام فرشة كبيرة ثم بألوان الشمع .. يمكنك تعليق ورقة  كبيرة على حائط وتتركيه يبدع .. أحد الأنشطة الجميلة هو أن تجمعوا الأوراق الساقطة من الأشجار في الطريق ثم تقومون بتلوينها واستخدامها كاسطمبة للطباعة .. او فقط لصقها بالغراء على لوحة كبيرة وتعليقها في غرفة الطفل .. أهم شيء أن تتذكري أن صراخك في طفلك إذا أفسد شيء في المنزل بسبب محاولته أن يبدع سوف يقتل ابداعه خاصة إذا كان طفلًا حساسًا.. هيئي له المكان واتركيه يستمتع بطفولته التي لن يعيشها سوى مرة واحدة.


نستمر بنفس الشكل مع الطفل بعد تخطيه عمر 18 شهر ومع نهاية 3 سنوات يكون الطفل قادرًا على ارتداء وخلع ملابسه بنفسه .. اعداد وجبة بسيطة مثل سندوتش أو تقطيع خيار مع اشراف الأم .. يمكنه صب اللبن لنفسه في كوب .. يمكنه حمل طبقه إلى الحوض .. يمكنه تطبيق ملابسه الصغيرة الحجم .. والكثير من الأنشطة المنزلية الأخرى ولكن بشرط البداية المبكرة في تعويده على ذلك من عمر السنة. 
ويمكن للأم تقديم الأنشطة والألعاب بتتبع شغف الطفل واهتماماته مثلما هو متبع في طريقة منتسوري .. مثلًا إذا لاحظت أن طفلتك تكثر من صب الماء فيجب عليك  تفهم ان هذا ليس سوء سلوك وانما مرحلة حساسة لتعلم مهارة الصب فيمكنك البدء في أنشطة الصب ..هذا سوف يرضي شغفها ويقلل من الخسائر المنزلية.    


2- التطور اللغوي والإدراكي:
---------------------------
يفهم الأطفال في هذه المرحلة العمرية عدد كبير من الكلمات ولكن ما زالت قدرتهم على الكلام في مرحلة تطور ولذا يستخدمون الايماءات والحركات ونبرة الصوت في التواصل .. مثلًا يعبر الطفل عن رفضه بهز رأسه يمنة ويسرة ويتوقع أن تفهم أنه يعبر عن رفضه .. مثال آخر إذا أراد شيئًا فهو يشير إليه بإصبع السبابة مع الكثير من المحاولات للكلام وقد يستطيع نطق بضع كلمات فعليًا مثل بابا .. ماما .. تيتة..  يعرف الطفل في هذه المرحلة أن لكل شيء اسم ودور المحيطين به تعريفه أسماء هذه الأشياء.
تستطيع الأم في هذه المرحلة تشجيع طفلها على الكلام بأن تتكلم معه كثيرًا عما تفعله وتحكي له القصص وتقرأ معه القرآن وتسمع معه الأناشيد بدون موسيقى وتغني معه وهذا سيساعده على تخزين المفردات ثم يبدأ في استخدامها بنفسه بالتدريج.. أيضًا القراءة من الكتب مع الطفل مهمة جدًا في هذه المرحلة ... سوف يحب الكتب ذات الصور الواضحة وستجدين انه يشير إلى صور الأشياء التي يعرفها ويسميها باسمها وتتسم هذه المرحلة بارتباط الطفل بكتاب معين أو قصة معينة يحب أن تقرأيها له كل يوم ويفضل ألا تفرضي على الطفل كتاب معين بل اتركيه يختار ..

من الملاحظ أيضًا في هذه المرحلة أن الطفل أثناء استكشافه يحاول استخدام الأشياء بطريقة مختلفة .. مثلًا يمسك علبة في المطبخ ويضعها على رأسه كالقبعة .. أو يسيِّر مكعب كبير كأنه سيارة أو يتحدث فيه كأنه تليفون.. هذا طبيعي للغاية فلا تصابي بالاحباط إذا صنعت نشاطًا لطفلك واستخدمه بطريقة مختلفة .. هذا يعني أنه يُعمل عقله ويطور ذكاءاته ومهاراته .. افرحي لذلك وشجعيه عليه وانتظري ابداعاته ان شاء الله
في هذه المرحلة يفضل أن نتكلم مع الطفل بلغة الكبار ولا نستخدم مصطلحات البيبي فلا نقول "محمد عايز مم؟" بل نقول "محمد عايز تاكل؟" أو "محمد انت جعان؟" .. غالبًا يستخدم الطفل في هذه السن كلمات من طائفة الأسماء فقط nouns ولا يربطها بأفعال أو حروف ولذلك نستغل كل كلمة ينطقها الطفل بإعادة صياغتها في جملة .. مثلًا طفل يرى سيارة فيقول "عربية" فترد الأم "عربية جميلة لونها أحمر" أو"شايف العربية جميلة؟" .. وإذا نطق الكلمة بشكل خاطيء لا نقول له: لا .. كده غلط .. قول كذا .. بل نصححها له من خلال إعادة نطق الكلمة بداخل جملة كما ذكرنا .. بهذا الشكل تزيد الحصيلة اللغوية للطفل كما يشعر بالثقة بنفسه وبقدرته على الكلام والتواصل مثل الكبار. يمكنك أيضًا طلب بعض الأشياء البسيطة من الطفل مثل "أحضر لي الكتاب من فوق الطاولة" وسوف يذهب ويحضره .. هو يفهم لكن يحتاج لبعض الوقت كي يتكلم .. تعزيز وتنمية الحواس يساعد الطفل على اكتساب اللغة ولذلك عليك بالاهتمام بتنمية جميع حواس الطفل ..الفتي انتباهه للأصوات المحيطة مثل "هل تسمع صوت العصفور؟" لتنمية حاسة السمع وتزويده بمفردات تخص الأصوات .. عندما تقومين بالطهي في المطبخ وطفلك معك مع اتخاذ الاحتياطات الكاملة لأمانه وحمايته من مخاطر المطبخ.. اعرضي عليه روائح وأطعمة مختلفة مثل المسكر والمالح والحامض .. روائح الأعشاب والتوابل الخفيفة .. لا نحتاج لشراء أدوات منتسوري للشم والتذوق .. كلها موجود لها بدائل بالمطبخ .. كذلك حاسة اللمس يمكنك تنميتها عن طريق تعريض الطفل لأنواع مختلفة من الأقمشة الموجودة بالمنزل وكذلك أشكال المواد المختلفة مثل الخشب والحديد والبلاستيك.. كل هذا من خلال اللعب والاستكشاف معًا. وأؤكد مرة ثانية على كلمة "معًا" حيث أن الطفل في هذا العمر يحتاج لرقابة شديدة لأنه لا يفهم عواقب الأمور .. فقط يستكشف وقد يعرضه هذا للخطر.
مع نهاية العام الثالث يستطيع الطفل التواصل في ما هو يشبه المحادثة لكن باستخدام كلمات يقصد بها الإشارة إلى جمل .. مثلًا عندما يقول "روح نادي؟" هو يقصد أن يقول "ممكن نروح النادي؟" ويستطيع أيضًا فهم المزاح ويحبه كثيرًا ويمكنه الرد على أسئلة تبدأ بأين وماذا .. يمكنه ترديد ما حفظ من القرآن إذا بدأت الأم في تكرار القرآن أمامه منذ الولادة خاصة عند النوم كما ذكرنا في المقال الأول وسوف تفاجأ الأم بأنه يردد ما حفظ تلقائيًا دون أن تطلب منه ذلك حتى لو كانت سور وكلمات صعبة .. وقد حدث هذا مع ابني الأكبر حين فوجئت به وعمره عامين يردد بداية سورة "ق" بعد أن سمعني أقرأها فعلمت وقتها أنه مستعد لحفظ القرآن وبدأت في ترديد الآيات المطلوب حفظها معه كل ليلة وأثناء الطبخ دون ضغط حتى أتم حفظ جزء عم وهو في الخامسة من عمره بفضل الله. كما أود ان أشير أن تعلم الطفل للقرآن مبكرًا بهذه الطريقة وأكرر دون ضغط عليه سوف ينمي ذكاؤه اللغوي ويسهل عليه تعلم القراءة والكتابة بعد ذلك ان شاء الله.


3- التطور العاطفي والاجتماعي:
------------------------------
من عمر 12 -18 شهر يتصور الطفل أنه مركز العالم لذا سوف تبقين منشغلة كثيرًا به في هذا العمر .. هو يريدك قريبة بجواره ولكن يمكنه الآن أن يلعب وحده بدونك مع الذهاب إليك من وقت لآخر .. يبدأ الطفل في هذه المرحلة تفهم فكرة أنك وهو كيانين منفصلين ويمكنك مساعدته على ذلك باللعب أيضًا عن طريق لعبة الاستغماية الشهيرة ولعبة الإشارة لأجزاء الوجه .. تشيرين إلى فمك مثلًا وتسميه ثم تطلبين من طفلك الإشارة إلى فمك وهكذا.. كذلك لعبة احضار الأشياء لك .. تذكرين له اسم لعبة او تشيرين إلى كتاب أو تليفون أو أي شيء وتطلبين احضاره لك.. هذه لعبة تطور المهارات الاجتماعية لدى طفلك وتعلمه التعاون وفكرة الأخذ والعطاء.
من أهم ما يحتاجه الطفل الدارج هو لفت الانتباه وانتباه الأم خصيصًا ولذلك نسمع جميعًا في هذه السن كلمة "ماما شوفي.. شوفي" .. هو يعرض عليك انجازاته طوال الوقت ويكتسب احساسه بالثقة من نظرتك الإيجابية وتشجيعك له فاحرصي على اعطاء طفلك الانتباه خاصة عندما يطلبه .. يبدأ الطفل في هذا العمر تعلم عواقب سلوكه ولذا يمكنك البدء في تطبيق بعض قواعد التربية الإيجابية التي تخص العواقب في هذا العمر .. مثلًا عدم استجابتك لزن الطفل سوف تفهمه مع الوقت أن الزن لا يحقق له ما يطلبه ولكن بشرط أن تستمري في استخدام نفس الأسلوب.
في المرحلة من 12 -18 شهر لا يفضل الطفل الاندماج في اللعب مع الأقران بل يلعب بشكل موازي Parallel play بدون تفاعل مع الأطفال الاخرين.. قد يلعب طفلان بنفس النشاط لك بدون تفاعل بينهما وهذا طبيعي جدا في هذا العمر [2] .. بعد ذلك من 18 - 24 شهر يبدأ الطفل في تفهم فكرة الصداقة وتطوير مشاعر التراحم فيمكن أن يتأثر ويحزن لحزن صديقه أو أخيه وقد يبكي لبكائه أو يجلس بجواره ويطبطب عليه. 
يصعب على الطفل الدارج التحكم في انفعالاته ويزيد الأمر كلما اقتربنا من نهاية العام الثاني او كما يطلق عليه Terrible twos 
من خصائص هذه المرحلة أن ما يريده الطفل.. في الواقع هو يريده الآن ولا يستطيع الانتظار ولا يفهم لماذا تطالبينه بالانتظار ولذلك فهو يغضب وهنا تفاجأ الأم بطفلها الوديع يتحول ويصرخ ويلقي بنفسه في الأرض يضرب بيديه وقدميه وقد يستمر في نوبة الغضب لمدة طويلة وهي لا تدري ماذا تفعل وقد يفاجئها بهذه النوبة في الأماكن العامة خاصة المحلات عندما يريد شيئًا وهي ترفض أو في منطقة الألعاب بأي مكان عندما يأتي  موعد الرحيل.. نوبات الغضب temper tantrums هي من أبرز المشاكل التي تواجه المربين في هذا العمر وتستمر حتى نهاية السنة الثالثة من عمر الطفل أو أكثر من ذلك.

كيف نتصرف معها ؟ مبدئيًا إذا استجبنا للطفل ولبينا له طلبه ليتوقف عن الصراخ فهو بذلك قد تعلم أنه سوف يحصل على ما يريده بهذه الطريقة وتصبح سلوك دائم .. وإذا قابلنا نوبة الغضب برد فعل عنيف فسوف تزيد حدتها عند الطفل ولن يتوقف عنها مما يضغط على أعصاب المربي ويشعره بانعدام الحيلة. إذا ما الحل ؟ يجب علينا أن نعلم أن الطفل في هذا العمر لا يستطيع التحكم في انفعالاته وأن نوبات الغضب أمر طبيعي ويمر بها كل الأطفال وتزداد احتمالية حدوثها إذا كان الطفل جائع أو مرهق وللتخفيف من حدتها يمكننا أن:
- البقاء بجوار الطفل مع اعطائه الفرصة لتفريغ انفعاله
- احتضان الطفل وتهدئته بدون كلام كثير
- استخدام الإلهاء أو التشتيت بلفت انتباهه لشيء آخر يحبه 
- لو كنت في مكان عام احملي طفلك وغادري المكان إلى مكان آخر هاديء مثلًا إلى السيارة أو حديقة

يبدأ الأطفال في هذا العمر ألعاب التقليد والتمثيل pretend play and make-believe games مثل تمثيل دور الطبيب أو تخيل نفسه مغامر أو ارتداء ملابس أو حذاء الأم أو الأب أو يمسك بلعبة ويتخيل أنها كاميرا ويصورك...



في الواقع هذا النوع من الألعاب هام للغاية لتطوير مهارات الطفل على كافة المستويات .. فبالنسبة للتطور الاجتماعي فان الطفل يجرب مشاعر مختلفة مما يزيد من قدرته على التراحم والاحساس بالإخرين ويساعده على التفاعل الاجتماعي مع الأقران والكبار. أذا شاركت طفلك هذه اللعبة الممتعة مثلا كنت أنت المريض وهو طبيبك فسوف تساعده على تعلم تبادل الأدوار والاحساس بالمسئولية .. وقد يشجعك على اللعب مع طفلك معرفة أن الدراسات العلمية أثبتت أن الأطفال الذين يلعبون اللعب التخيلي من سن مبكر يظهرون مهارات ابداعية ومرونة معرفية في الكبر [3, 4]. كذلك تساعد الألعاب التخيلية على تطوير المهارات اللغوية فهي منفذ لاستخراج الكلمات المخزونة في مخ الطفل. كما أنها تعبر عما يدور داخل طفلك سلبًا وإيجابًا فإذا كان طفلك يذهب إلى الحضانة وعندما يعود إلى المنزل يمثل دور المعلمة فيرفع صوته ويستخدم بعض العنف فانت بذلك تعرفت على تعامل المعلمة مع الأطفال بشكل غير مباشر. 
ملحوظة: الحاق الطفل بالحضانة لعدد ساعات قليل حوالي 3-4 ساعات في عمر عامين قد يساعد في تطوير مهاراته الاجتماعية ولكن بشرط اختيار المكان المناسب الآمن لطفلك الذي يضمن عدم تعرض الطفل لأسلوب تربوي مختلف لأن هذا يضر الطفل ويربكه. 
وفي النهاية يمكنك خلق بيئة ثرية لطفلك ليمارس اللعب التخيلي .. مثلًا:
- توفير كرتونة كبيرة ليجلس داخلها ويتخيل أنه قائد سيارة أو طائرة أو حتى صاروخ
- أدوات مطبخية حقيقية آمنة ليمثل أنه يطبخ
- ملاءة قديمة ليصنع منها خيمة تحت طاولة
- حقيبة ظهر قديمة - موبايل - بطارية ليتخيل انه مستكشف 
- دمى محشوة ليكونوا تلامذته أو مرضاه .. ويمكنكم أن تلعبوا أنتم هذا الدور أيضًا :)

وأترك لك أيتها الأم المحبة المبدعة المجال مفتوحًا لتبدعي كما يحلو لك .. فقط تذكري النقاط التالية على لسان طفلك:
  • اتبعي شغفي يا أمي وقدمي لي ما يناسبه
  • اسمعيني يا أمي حين أناديك وأعطيني انتباهك فأنا أحتاج للتشجيع منك أنت بالذات
  • لا تتحكمي في نشاطي أو لعبتي يا أمي بل اتركي لي الحرية التامة مع توفير الأمان
  • كوني قدوة لي في التحكم في الانفعالات فأنا أقلد ما أراه وأخزنه أيضًا
  • العبي معي يا أمي .. هذا أهم عندي من شراء الألعاب والأنشطة
  • وفري لي فرص للاستكشاف فأنا أستكشف لأتعلم 
  • لا أقصد سوء السلوك يا أمي .. ارشديني لاصلاح أخطائي وسوف أتعلم 
  • أريد أن أشعر بالاستقلالية يا أمي .. ثقي بي .. أنا أكبر .. أنا أستطيع  
  وألقاكم في مقال قادم بإذن الله عن التعلم من خلال اللعب لمرحلة طفل ما قبل المدرسة من 3 -5 سنوات مع ارشادات هامة عن كيفية إدارة جلسة اللعب.

References:
[1] Erikson, E.H. & Erikson, J.M., The Life Cycle Completed: Extended Version (W. W. Norton, 1998). 
[3] Russ, S.W. (2004).  Play in child development and psychotherapy. Mahwah, NJ: Earlbaum.
[4] Russ, S. & Fiorelli, J. (2010) Developmental Approaches to Creativity. In J . Kaufman & R. Sternberg (Eds.) The Cambridge Handbook of Creativity, 233-249. New York: Cambridge University Press.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق