الأحد، 11 ديسمبر 2016

منتسوري بالمصري



طيب نقطة نظام ضروري نقف وقفة وأرجو مناقشة الأمر بشكل موضوعي غير متحيز ..

مع انتشار فكر المنتسوري في مصر من خلال الكورسات الأونلاين والأمهات الداعيات للتعليم المبكر والتعليم المنزلي خاصة.. تصورنا جميعاً أنها بداية لطفرة في أسلوب التعامل مع الأطفال خاصة في السن الصغير .. تصورنا أن الأمهات سيبدأن في تقديم أنشطة مفيدة لأبنائهن وهن "واعيات" بأهداف النشاط بشكل خاص وكذلك بفلسفة المنتسوري بشكل عام
ولكن ما نراه الآن من أسئلة الأمهات حقًا هو أمر محزن ويدل أن مضمون منتسوري لم يصل وأخذنا منه مجرد شكليات.. منها على سبيل المثال لا الحصر:
لازم نقدم النشاط للطفل ونوريه يعمله ازاي - الطفل لازم ينفذ النشاط صح ويكرره لحد ما يتقنه قبل ما ننتقل لنشاط أعقد - ترتيب معين للجلوس وطريقة معينة لامساك الأدوات - درس ثلاثي بأسلوب محدد
كان من الممكن أن يكون هذا جميلاً لكن للأسف تم التقيد بهذه الشكليات أكثر من الفلسفة نفسها مما أدى بأمهات المنتسوري إلى نفس الجمود الذي نراه من غيرهن .. ما الفارق بين أم تقيدت بمنهج المدرسة وكلام المعلمات وحفظ الكلمات وساهمت في قولبة ابنها وبين أم تقيدت بكورس منتسوري وكلام المدربة وطبقت ما تعلمت بدون مرونة ولا تتبع لشغف طفلها واهتماماته ؟
ما الفارق بين أم تدخر الأموال كل عام لتدفع مصاريف المدرسة "الغالية" لأنها من وجهة نظرها تستثمر في تعليم طفلها وتحاول توفير أفضل فرص تعليم له منذ صغره قد تكون هي ووالده قد حرما منها في صغرهما .. وبين أم تضع القرش على القرش لتشتري أدوات منتسوري "المبالغ في سعرها" أو مناهج دولية خاصة بالتعليم المنزلي وهي مقتنعة أن هذا سينمي مهارات طفلها ويجعله يتعلم أفضل ؟
أتظنون هذا حقاً ؟
أرى ان الأمر تحول إلى المعتاد الذي يحدث في كل مرة نأخذ شيئاً من الغرب .. نأخذ القشور ونترك المضمون .. نطبق بطريقتنا نحن التي اعتادت القولبة والجمود ..ما المانع أن نخلط بين النظريات والمناهج ؟ أليس هذا من المرونة في التعليم ؟ لماذا نتقيد بمنهج محدد من الأساس ؟ لماذا منتسوري ؟ لماذا والدورف؟ من الممكن جداً أن أنتقي من كل منهج ما يناسب طفلي و"يحتاجه" .. أن أصنع التوليفة التي تناسب كل طفل من أبنائي لأن كل طفل هو نسيج وحده يستحق أن أبحث له عما يناسبه
لماذا الجمود؟ علمني البحث العلمي ألا أتقيد بنظرية وأن كل فكرة قابلة للنقد إلا وجود الله عز وجل .. وأن النظرية العلمية التي تلقى رواجاً اليوم قد تدحضها نظرية علمية أخرى غدًا .. كل شيء جائز في العلم
وعلمني التدريس أن أنوع في أسلوبي حتى أصل لكل طالب أمامي في المدرج.. وعلمني أيضاً ألا أخذ منهجًا معيناً وأتقيد به بل أكون منهجي الخاص الذي يحوي لمستي ويناسب إمكانات المكان الذي أعمل فيه ..ويجب أن أصنع نفس الشيء مع أطفالي
إذًا كل منهج له ما له وعليه ما عليه .. فلا يجب ان نتقيد بمنهج محدد بل أعتبر هذه المناهج والنظريات حدائق أقطف منها ما يناسب ابني
الأهم من كل ذلك وهو ما ينساه الجميع .. نسينا ان نسأل الأطفال ماذا يريدون ؟ هل هم سعداء بمنتسوري الذي يقدم بطريقة ثابتة خالية من أي تشويق وتقتل الابداع عند الطفل ؟
كيف يشعر الطفل الذي يتم تقديم الأنشطة له ولا يسمح له بالتجربة والخطأ وللعلم الأطفال في مرحلة التعليم المبكر يتعلمون أساساً بالتجربة والخطأ؟
مرحلة الطفولة المبكرة (0- 6 سنوات) تتسم بالكثير من الحرية والفضول وحب الاستكشاف والمغامرة ومن كل ذلك يتعلم الطفل وينمي مهاراته .. بالتجربة والخطأ في الأساس .. يتسلق شجرة فلا يستطيع النزول فيتعلم أن يفكر تفكيراً استباقياً بعد ذلك ويفهم عواقب أفعاله .. يظل يحاول في قطع البازل حتى ينجح في تركيبه بشكل سليم فتلمع عيناه ويشعر بالانجاز ويتعلم .. ما الفارق بين تقديم النشاط للطفل وأن أريه كيف يرسم وكيف يلعب بالمكعبات وكيف يركب البازل بشكل سليم وكيف يمسك بالقلم ... ألا ترون معي التشابه في هذه الأمور جميعها ؟ ألا ترون معي أن كل هذا يندرج تحت مفهوم "التلقين" الذي يحاول أهالي التعليم المرن تجنبه بعدم الحاق أطفالهم بالمدارس؟
من يتابعني يعرف أني لست ضد منتسوري أبداً بل أنا ملتحقة بكورس أونلاين لتعلمه لآخذ منه الأفكار التي تناسب أبنائي وأطبقها بالطريقة التي تناسبهم وأدعو الناس لتعلمه وتطبيقه ولكن بوعي وفهم .. وأرجو من مدربات منتسوري نشر هذا الوعي لأن الأمهات حقًا أسئلتهم تدل على أن الفلسفة لم تصل ... الأسئلة تدل على خطأ في الفهم أدى إلى أخطاء في التطبيق ونحن ما زلنا في البداية ومن المهم أن نعمل على تقييم التجربة لتلافي الأخطاء
يعجبني في منتسوري فكرة الفترات الحساسة وملاحظة الطفل والأنشطة الحسية .. أفكار تقديم الرياضيات وتعلم اللغة والجغرافيا .. لكن فكرة تقديم الأنشطة أرى انها قاتلة للابداع وتحول الطفل إلى ماكينة مقلدة والمقَلِد لا يستطيع الابتكار
في النهاية منتسوري هو فكر بشري قد يحتوي على شوائب أو أخطاء .. قد يناسب طفل ولا يناسب آخر .. وكذلك والدورف وكل المناهج والفلسفات .. العبرة باختيار المفيد للطفل ذاته .. العبرة بطريقة التطبيق
آخر شيء أنا بدأت أتعلم تربية الأطفال وتعليمهم وفهم نفسيتهم من 9 سنوات وما زلت أتعلم من كل كورس ألتحق به أو كتاب أقرأه .. عشت في مجتمع انجليزي يطبق روح منتسوري بدون أدوات ولا تقيد بأنشطة ..تعلمت فلسفات من أمريكا وانجلترا واستراليا وأهم ما توصلت إليه حقاً هو أن أفضل طريقة لتعليم الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة هي اللعب مع الأم أو الأب الواعيين بمنهجية التعلم من خلال اللعب وكذلك اللعب الحر الذي يترك فيه العنان للطفل ليفعل ما يحلو له في حدود الأمان ولذلك قصة أخرى نطرحها في مقال آخر بإذن الله
#منتسوري_بالمصري

هناك تعليقان (2):

  1. الله ينور عليك - أنا من الناس اللي جالي اكتئاب من المنشورات اللي بتحدد أدوات معينة للتعليم خاصة إني مفيش مجال اشتريها في المكان اللي عايشة فيه - ونفسي ألاقي موقع أو منهج يحط لنا المبادئء ظاهرة لكل سن واحنا نطبقها بتجربة طرق مختلفة من خلال البحث أو صنع او استخدام أدوات من المنزل

    ردحذف
  2. ما شاء الله .. مقال في الصميم د. هبة
    فعلا الفترات الحساسة من أهم المفاهيم اللي اتعلمتها في منتسوري .. لكن أعتقد ان لازم يكون عندنا المرونة الكافية لتطبيق الأنشطة ومش لازم نتقيد بأدوات بعينها طالما أنا حاسة ان ابني بيكتسب المهارة حتى لو بأبسط الأدوات
    شكرا

    ردحذف