الجمعة، 23 ديسمبر 2016

مباديء التعلم من خلال اللعب - الطفل في السنة الأولى

عزيزتي الأم الجديدة 
هل تعلمين أن الطفل منذ لحظة ولادته يكون مستعدًا للتعلم ؟ هل تعلمين أيضًا أن وظيفة الطفل الرئيسية هي اللعب وأن اللعب لا يتعارض أبدًا مع التعلم؟  بل قد يكون اللعب هو أفضل وسيلة لتعلم الأطفال.. سنتعرف على فوائد اللعب في تطوير مهارات الطفل في السنة الأولى في هذا المقال الذي يعد الحلقة الأولى من سلسلة مقالات عن مبادي التعلم من خلال اللعب Play-based learning .

أثبتت الأبحاث العلمية أن اللعب يساعد على تطوير الدماغ من حيث المرونة والقدرة على التعلم مستقبلًا كما يحفز بناء الوصلات العصبية [1]. اللعب يوفر للأطفال فرص رائعة لمعرفة معاني الاستكشاف والابداع والتفاوض والمغامرة وتؤكد العديد من الدراسات في مجال التطور الإدراكي أن اللعب يحسن الذاكرة ويطور المهارات اللغوية ويساعد على ضبط سلوك الأطفال بشكل ذاتي مما له أبلغ الأثر على الدراسة الأكاديمية مع وصولهم لسن المدرسة [2] كما ربطت عدة دراسات بين اللعب وتحسن الصحة العامة للطفل وكذلك زيادة قدرة الطفل على التعامل مع الضغوط وزيادة الثقة بالنفس والاحساس بتقدير الذات. كما يرتبط اللعب بزيادة قدرة الطفل على المثابرة والمرونة والإيجابية والتراحم وبناء العلاقات الإجتماعية.

بعد ولادة الطفل تبدأ عملية بناء الوصلات العصبية وهي تبنى عن طريق التعرف على العالم من خلال الحواس وأول حاسة يولد بها الطفل هي حاسة التذوق فيبدأ في مص أي شيء يقترب من فمه وهذا من حكمة الله تعالى حيث يولد الطفل مستعدَا للرضاعة الطبيعية .. كذلك حاسة السمع تكون متطورة إلى حد ما فيسمع صوت أمه ويطمئن .. يستطيع أن يرى لمسافة 25 سم تقريباً وتقدر بالمسافة بين الطفل ووجه الأم أثناء الرضاعة الطبيعية ..يحتاج الطفل لاحتضان أمه ويسمع صوت دقات قلبها المألوف فيهدأ .. لكنه لا يميز باقي الأصوات وتكون بالنسبة له مجرد ضجيج .. بعد قليل يبدأ في لمس الأشياء وبالطبع يأخذها إلى فمه فهذه هي وسيلته للتعرف على العالم من حوله .. ثم تبدأ مرحلة جديدة عندما تتطور حاسة البصر قليلاً ويبدأ الطفل في الاهتمام بالنظر إلى وتمييز ألوان محددة هي الأبيض والأسود ويهتم كثيراً بوجوه البشر خاصة العينين وحركة الفم.
مع كل يوم تتطور فيه الحواس تتطور الوصلات العصبية بشكل مطرد كما يظهر في الصورة:
تطور الوصلات العصبية في المخ خلال السنة الأولى

 ويصاحب ذلك أن الطفل يتعلم عن العالم المحيط به .. في هذه المرحلة (0 - شهرين) لا يستطيع الطفل الحركة ويقضي معظم الوقت مستلقيًا في المهد ..كل ما يحتاجه طفلك هو الكثير من الاحتضان والاحتواء .. يحتاج إلى سماع صوتك فهو يميزه ... يحتاج إلى الأمان والحنان.. لا تفكري في أنشطة أو ألعاب في هذه المرحلة أكثر من تعليق لعبة آمنة بسيطة بألوان مناسبة فوق مهد الطفل أو لعبة آمنة يحاول أن يمسك بها لتنمي مهارة القبض عنده .. اهتمي أكثر بتلبية احتياجات طفلك .. عندما يبكي فهذه طريقته ليعبر عن شيء يحتاجه .. قد يكون جائعًا أو يحتاج للتنظيف.. قد يكون خائفَا يحتاج لحضنك .. قد يشعر بالملل أو النعاس ويريدك بقربه .. لذا في هذه المرحلة وجودك أمر بديهي وكونك تلبين احتياجات طفلك هو ليس تدليلًا وانما واجب لصحته النفسية ففي هذه الفترة يحتاج طفلك للاحساس بالثقة .. الثقة بأنك سوف تلبين نداءه وتخمنين ما يريد وتحققيه له ومن هنا تتولد ثقته تجاه العالم ويبدأ في الشعور بالانتماء وهذا الاحتياج النفسي يمتد إلى نهاية السنة الأولى [4] وإذا لم يلبى يحدث أن يتولد داخل الطفل انعدام ثقة بالعالم يؤثر عليه حتى بعد أن يكبر وقد يتسبب في إصابته بأمراض نفسية منها الوسواس القهري [5].

في الفترة من 2 - 6 شهور تظهر أول ابتسامة على وجه طفلك ويستطيع ان ينقلب على بطنه ويرفع رأسه ورقبته .. يستطيع ان يمسك بأشياء كبيرة وتتطور مهارة القبض عنده وكما قلنا كل شيء يذهب إلى فمه ليتعرف عليه فيجب الحذر من الألعاب التي تحتوي على أجزاء صغيرة .. في هذه المرحلة من المهم أن توفري وقتًا لطفلك على الأرض في مكان آمن وأنت بقربه وحوله مجموعة ألعاب مثل (حلقات بلاستيكية .. دمى مبتسمة .. شخشيخة .. مرآة غير قابلة للكسر.. مكعبات كبيرة قماشية.. حلقات متراصة)  أو ما يسمى baby gym كما هو واضح في الصور







يكون الطفل على ظهره حتى يستطيع التقلب ويمكن أن تضعيه على بطنه بنفسك Tummy time فهذا يساعده على الاستكشاف .. لا تقربي إليه الألعاب بل علقيها حتى يحاول أن يمد يده ليمسكها أو ينقلب على جنبه أو بطنه ليصل إليها فهذا يساعد في تطوره الحركي وكذلك في التناسق البصري الحركي hand-eye coordination.. يمكنك أن تضعي اللعبة على بطنه فهذا يساعده أن يضم يديه معًا حتى يمسك اللعبة وهذه مهارة هامة لتشغيل فصي الدماغ سويًا   .. سيقضي طفلك وقتًا سعيدًا حقًا ينقل بصره بين الألعاب ويحاول الوصول إليها ويحاول امساكها وبالطبع يأخذها إلى فمه ولذا يجب الاهتمام بنظافة الألعاب .. هذا الطفل مخه يتطور وتزداد الوصلات العصبية في مخه بشكل متواصل وكذلك هو مستمتع وسعيد .. ويتعلم طوال الوقت  .. قارني هذا الطفل بطفل مستلقٍ على ظهره في سرير أو مقيد داخل كرسي .. ملقى أمام تلفاز أو محمول من أمه أو من يتولى رعايته .. فارق شاسع بين الطفلين من حيث تطور المخ والتطور الحركي والاجتماعي والإدراكي.


ومع نهاية الستة أشهر الأولى قد يمكن للطفل أن يجلس وهذا سوف يساعده أكثر على التعرف على العالم .. يحب الطفل في هذا الوقت لعبة القاء الأشياء عليه مثل دمية صغيرة ويتابعها بعينه وهي تسقط أمامه وإذا كانت قريبة منه فسيحاول امساكها بكلتا يديه أو يحرك جسمه في اتجاهها.. هذه اللعبة البسيطة التي يمكن أن تلعبها الأم أو الأب مع الطفل لها أبلغ الأثر في تطور التناسق البصري الحركي كما تخلق رابطة قوية بين الطفل وأبويه ..قد نبدأ في هذه المرحلة أيضًا في تقديم الكتب للطفل .. ولكن نراعي أن يكون كتابًا قماشيًا أو ما يطلق عليه الكتاب التفاعلي .. ويمكن أيضًا الكتب الكرتونية hard books ونقرأها سويًا أو نحكي حدوتة قبل النوم بقراءتها من كتاب .. يمكن أن نقرأ القرآن مع الطفل من المصحف قبل النوم حتى يعتاد ذلك وستجد ان الطفل يحفظ القرآن بسهولة بعد ذلك وكذلك سيرتبط به قلبه ..


يستطيع الطفل في هذه الفترة الجلوس دون مساعدة وستلاحظين أنه يريد أن يكون معك دائمًا .. مثلَا عند وجودك في المطبخ أخرجي بعض الأواني البلاستيكية مثل العلب والأكواب البلاستيكية أومعالق خشبية واتركيها لطفلك ليطبخ مثلك وطوال الوقت لا تتوقفي عن الكلام معه والحكي عن كل ما تفعلين ووصف الأشياء من حوله .. هذه الجلسة ستطور مهاراته اللغوية والحركية والاجتماعية والإدراكية دون احتياج لوقت خاص أو أنشطة أو حتى ألعاب..

يهتم الطفل في هذا العمر بإلقاء الأشياء من مكان عال فمثلًا إذا جلس في كرسي الأكل الخاص به سيظل يرمي كوبه أو لعبته من فوق ويتابعها بعينه وهي تسقط بشغف شديد وسيطلب منك بالبكاء أو النداء أن تأت بها له ثم يكرر رميها وهكذا .. هنا يبدأ الطفل في فهم معنى دوام الأشياء Object permanence.. قبل ذلك يظن الطفل أن غياب الشيء أو الشخص معناه أنه ذهب تمامًا ولن يعود ولذا يبكي بحرقة شديدة عند خروجك من الغرفة .. يمكن لك تطوير هذا المفهوم عند طفلك عن طريق لعبة Peek -a- boo الشهيرة عن طريق إخفاء وجهك ثم إظهاره وأنت تبتسمين .. يمكن أيضًا استخدام لعبة لها صوت مثل الشخشيخة .. تخفيها تحت غطاء مثلَا ثم تهزيها فتصدر صوتَا وحينها يعلم الطفل أن ليس معنى أن شيئًا ما قد غاب عن نظره أنه انعدم. 
يتطور الطفل في هذه السن بسرعة شديدة فيبدأ في الزحف على بطنه ثم يستطيع أن يحمل جسده على يديه وركبتيه وينطلق في كل مكان في المنزل .. قد لا تستطيعين الذهاب إلى دورة المياه في هذه المرحلة من كثرة الملاحقة ..يجب هنا أن ننبه على احتياطات الأمان فالطفل يحاول أن يستكشف العالم وهذا يساعده على تطوير مهاراته ولذا لا يمكن أن نحبس الطفل أو نمنعه أو نحمله أو نقيده طوال الوقت فهذا يضره ويعرضه لضغط عصبي ويجعله في حالة استثارة عصبية دائمة ويعطل نموه وتطوره .. فالأفضل أن نوفر له بيئة آمنة وذلك لن يتأتى سوى بأن ننزل إلى مستوى الطفل ونرى العالم (المنزل) من منظوره فنزيل كل ما له طرف مدبب ونرفع الأشياء القابلة للكسر عاليًا .. لا يجب وضع ألواح زجاجية أو مفارش على الطاولات قد يجذبها الطفل فيقع شيء فوقه .. يجب أيضًا الاهتمام بغلق الحمام والمطبخ ورفع المنظفات والكيماويات لمكان عالٍ والتأكد من عدم وجود أسلاك يستطيع الطفل شدها .. كذلك تأمين مقابص الكهرباء ووضع بوابات للسلالم الداخلية ورفع الألعاب والأدوات ذات الأجزاء الصغيرة الخاصة بأخواته الكبار.

تتطور المهارات اللغوية لدى الطفل كثيرًا فيفهم عشرات الكلمات منها اسمه ولكنه ما زال لا يستطيع أن يتكلم ويعبر ولذا فهو قد يبكي كثيرًا أو ما يسمى بالزن ولنضع أنفسنا مكانه .. فهو يفهم ويريد أن يعبر عن رغباته واحتياجاته لكنه لا يستطيع ولذا يحتاج الكثير من التفهم من المحيطين خاصة الأم والأب ونلخص هنا ما يريده طفلك على لسانه [6]:
1- كوني بجانبي يا أمي فأنا أحتاجك
2- اغمريني بالحب حتى أثق بالعالم
3- افهميني فما زلت لا استطيع الكلام والتعبير
4- وفري لي الفرص للتعلم والاستكشاف الآمن بقربك  

وبعد فترة قصيرة يستند الطفل إلى الأثاث ثم يبدأ في المشي مع نهاية السنة الأولى تقريبًا مما يجعله مستعدًا لمغامرات أكبر في رحلة تعرفه على العالم .. تلك الرحلة التي تعتمد أولًا وأخيرًا على اللعب كما سنرى أكثر في الحلقة القادمة ان شاء الله عن مباديء التعلم من خلال اللعب - الطفل الدارج 

ملحوظة هامة : مراحل التطور تختلف من طفل إلى طفل والأعمار المذكورة في المقال تقريبية.

References:
[1] Lester, S. & Russell, S. (2008). Play for a change. Play policy and practice: A review of contemporary perspectives. Play England.  
[2] Bodrova, E. & Leong, D. J. (2005). Uniquely preschool: What research tells us about the ways young children learn. Educational Leadership, 63(1), 44-47.
[4] Erikson, E.H. & Erikson, J.M., The Life Cycle Completed: Extended Version (W. W. Norton, 1998).
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق