الأربعاء، 8 مارس 2017

مأساة الطفل الأكبر



وسط صديقاتها جلست تحاول أن ترسم البسمة وتغير من روتين حياة فرضت عليها .. قررت أن تتوقف عن العمل أثناء وجود الأبناء في التمرين وتقرأ كتابًا أو تثرثر مع الصديقات ونجحت وانفصلت عن الواقع لدقائق قليلة .. اختلست لحظات سعيدة من الزمن تضحك من القلب وتمزح مع الصديقات .. تلعب مع أطفالهن وتتعرف عليهم أكثر .. تعلم يقينًا أن هذه اللحظات رفاهية ولا تتكرر كثيرًا فقررت أن تستمتع بها وفجأة تنظر احدى الصديقات حولها فلا تجد ابنها الصغير وينطلق الجمع يبحثون في كل مكان عن الطفل وهي وحدها كانت تبحث عن اثنين في هذه اللحظة .. عن الطفل المفقود .. وعن أخته الكبرى التي انطلقت تجري باحثة عنه .. تلمح الطفلة من بعيد تصعد السلالم في لهفة تبحث عن أخيها ثم تنزل وتجري للباب ثم تصعد السلالم مرة أخرى .. طفلة لا تتجاوز السبع سنوات ولكنها وكلت بحمل ثقيل .. وتوقف الزمن في هذه اللحظات .. ثم عاد إلى الوراء وتداعت الذكريات عليها .. "خدي بالك من أخوكي" .. "خليكي معاه" .. "امسكي ايد أخوكي".. "اجري وراه" .. "اوعي يغيب عن عينك" .. "أخوكي الصغير لازم تتحملي مسئوليته معايا" .. شعرت أن الأرض تدور بها واللحظات الثقيلة تمر ..

قلبها يعتصر وعقلها يسترجع مشاهد قديمة مر عليها عمر طويل...ترى اللهفة الممزوجة بالخوف في عيني الطفلة المسكينة خاصة عندما صرخت فيها أمها "أخوكي راح فين؟" .. تنتفض الطفلة وتصمت .. ليس لها صوت .. فقط عينان محدقتان ينطق منهما الخوف.. هل يا ترى كان خوفًا حقيقيًا على أخيها أم خوفًا من ردة فعل أمها؟ هي فقط تعلم ما يدور في ذهن المسكينة ... تعلم مقدار ألمها.. هي فقط تشعر بالأفكار المحتشدة في العقل الصغير .. تضع نفسها مكان أخيها وتحاول أن تفك شفرة غيابه وتتوقع أين ذهب وفي هذه اللحظة وجدت الأم صغيرها بفضل الله ورحمته بعد أن عاشت لحظات من الرعب وعادت تحمله في حضنها وتصرخ في الطفلة التي صارت تنكمش أكثر في نفسها .. تشعر أنها مؤكد مذنبة .. تلوم نفسها وتجلدها .. لم تبتسم حتى لعودة أخيها .. فقط عينان محدقتان ينطق منهما الخوف الممزوج بالخزي

لم تستطع أن تظل متفرجة .. شعرت بأن واجبًا يناديها تجاه الطفلة المسكينة .. احتوت الأم وأجلستها لتهدأ ثم استجمعت شجاعتها وتكلمت ... لا تحب أن تعطي النصيحة لمن لم يطلبها .. لكن هذه المرة لم تستطع وأوضحت للأم بأرق كلمات خطرت على بالها في تلك اللحظة مقدار الألم الذي تسببه لطفلتها ومقدار الخطر النفسي على الإبنة التي لا ذنب لها سوى أنها جاءت إلى الدنيا أولًا .. استحضرت النية ودعت الله أن تقبل الأم النصيحة والحمد لله قبلتها الأم الطيبة .. كانت الصغيرة خلف أمها تحاول أن تتسمع إلى الحوار الخافت .. شعرت أن الأمر يخصها .. القلق ينطق في لغة جسدها .. ظلت على خوفها حتى قامت أمها واحتضنتها واعتذرت لها عما بدر منها وأن الحفاظ على أخيها ليس مسئوليتها .. والتقت عيناها بعيني الطفلة لتجد نظرة الخوف تحولت إلى نظرة عدم تصديق ثم إلى نظرة امتنان 😍😍😍 .. قبلت رأسها وودت لو هدهدت القلب المتعب بداخلها .. استسلمت للدموع التي انهمرت من عينيها هي ..دموع قديمة محبوسة تخرج من محبسها في مثل تلك المواقف التي تلمس الذكريات
ارتاحي الآن يا صغيرة .. ليس دورك أن ترعي أخاك .. أنت لا زلت طفلة .. واجب الأم أن ترعى صغارها "كلهم" ولا توكل هذه المهمة لأي أحد .. ولا كبير ولا صغير .. كيف تستمتع تلك الطفلة بطفولتها وهي مجبرة أن تتابع أخاها وتحرسه وتجري وراءه وتتبع خطواته أينما ذهب؟ متى تفعل ما تريده "هي" ؟ متى تنطلق وتعيش كطفلة حرة؟
ابنتك الكبرى ليست جليسة أطفال

هي أيضًا طفلتك التي تحتاج للرعاية وليس هذا سن تحميلها مسئولية كبيرة كهذه
هذا ظلم للصغيرة وتحميل لها فوق طاقتها
ونفس الشيء ينطبق على الولد الأكبر

ومن أجل هذه الصغيرة ومثيلاتها يجب أن يستمر كل مهتم بالتربية بنشر الوعي التربوي ولا يتوقف ويجب أن يكون ذلك وسط الناس .. الكتابة لا تكفي والكورسات لا تكفي .. يجب أن نكلم الناس عن التربية ونبسط لهم الأمر قدر المستطاع .. هناك أطفال على الشاطيء الآخر يتألمون 😔😔😔
#مأساة_الطفل_الأكبر
#قصة_من_الواقع_تتكرر_كل_يوم

هناك 3 تعليقات: