الأحد، 11 ديسمبر 2016

كبرت يا أبي

أبي الحبيب ..
تذكر يوم ذهبنا لصديقك طبيب العيون الكبير وأنا صبية في الخامسة عشر عندما بدأت أشعر بضعف نظري واحتجت لارتداء النظارة .. كنت وقتها لا أرى الأشياء البعيدة وظللت كذلك سنوات .. النظارة ترافقني لكني لا أحبها وكثيرًا ما خلعتها واكتفيت بالاقتراب مما أريد أن أقرأه ولكني لا أستطيع الخروج بدونها فالدنيا تختلف كثيرًا حينئذ وتبدو الأضواء البعيدة مشوشة وتختفي الملامح من وجوه الناس حين أراهم من بعيد!!
اليوم يا أبي وأنا على مشارف الأربعين عامًا فوجئت بأني لا أستطيع القراءة حين أقرب الأشياء إلى عيني كما اعتدت تلك السنين الطوال.. تذكرتك أبي عندما بدأت تصاب بطول النظر وتحتاج إلى نظارة قراءة .. شعرت أنت يومها بأنك كبرت .. أحسست اليوم بذلك أبي والطبيبة تسألني عن عام ميلادي وقلت لها عنه ثم تساءلت ببراءة هل كبرت حقًا ؟ وكأني أسائل نفسي لا أسائل طبيبتي !!
يبدو أنني كبرت دون أن أدري.. تلك الأوجاع صارت دائمة وذلك الشجن أصبح صديقًا والقلب لم يعد يحتمل صعود الدرج... حتى تقريب الكلمات من عيني أصبح يصيبني بالألم .. كبرت أبي وكل يوم أبتعد أكثر عن عام ميلادي ولا تدري كم يأخذني الحنين إلى سنين مضت بضحكاتها وآلامها .. بصخبها وصفائها ..بحلوها ومرها !!
حقًا كبرت ابنتك الصغيرة وصارت كالنسر تفضل الجلوس أعلى الشجر وعدم الاقتراب كثيرًا من البشر .. هذا أفضل كثيرً أبي فكم خدعتني تلك الملامح التي تدعي البراءة والابتسامات التي تمثل المحبة .. تصور أنني كبرت أبي ولا زلت أنخدع ولا زلت أتسامح ولا زلت أُخذل.. ولا أدري متى تصيبني حكمتك وعمق نظرتك في الناس؟ أتراها حكمة الستين يا أبي؟ من يعلم ؟ قد يرزقني الله بها حينها فأنعم بهدوء النفس واليقين ..أنني قد أتسامح وأظل أُخذل ممن سامحتهم ولكني أبتسم ولا أغضب من سذاجتي .. بل أقول لنفسي يكفيكِ أنكِ حاولتِ .. يكفيكِ أنكِ تضعين رأسك على وسادتك كل ليلة وليس في قلبك حقدًا ولا غلاً لأحد.. هل تراني أعيش حتى ذلك الحين أبي؟
#كبرت
#رسائل_إلى_أبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق