الأحد، 11 ديسمبر 2016

مستر عبد الفتاح

تذكرت اليوم مستر عبد الفتاح مدرس اللغة العربية لي في الابتدائية ثم أولى اعدادي .. مستر عبد الفتاح كان مدرسًا متمكنًا من اللغة العربية ويشرح بشكل رائع ولكن يعيبه أمر واحد وهو حبه لضرب من يخطيء في الإجابة من تلاميذه .. كان مستر عبد الفتاح يتفنن في ضرب تلاميذه وقد أعدَ لكل فصل عصا خشبية رفيعة خاصة به مميزة بشريط لاصق ملون حسب الفصل .. وكثيرًا ما حاول الزملاء إخفاؤها ولكنه كان يحضر غيرها في اليوم التالي..
وكنت في هذا السن طفلة خجلى للغاية .. أخاف وأتلعثم إذا سألني المدرسون رغم أنني كنت متفوقة ولذلك كنت أفضل الجلوس في نهاية الفصل حتى لا يراني أحد .. كنت أخاف بل أصاب بالرعب من مستر عبد الفتاح خاصةً إذا قرر أن يوجه سؤاله إلىَ وكنت أخطيء في الإجابة رغمًا عني بسبب شعوري بالفزع ويبدو أنه لاحظ ذلك فأصبحت تسليته يسألني ويتشفى بي حين لا أستطيع الإجابة ثم يضربني بالعصا الزرقاء الرفيعة على يدي ويعنفني حتى أذاكر .. وكنت أذاكر فعلًا ولكن مشكلتي الوحيدة هي خوفي من هذا الرجل وأصبحت أبغضه حقًا .. لم أبلغ أهلي لأن أبي كان شديدًا في هذا الأمر ومن الممكن أن يرتكب جريمة إذا عرف أن المدرس يضربني ..
هذه المشكلة كانت أول تحدي حقيقي في حياتي أواجهه وحدي .. قررت وأنا في هذه السن الصغيرة ان أتحدى مستر عبد الفتاح .. أن أهزم خوفي منه وأحصل على الدرجات النهائية في اللغة العربية وأجيب على كل اسئلته بشكل صحيح .. قررت أن أتحداه .. اشتريت كتابًا خارجيًا في اللغة العربية وذاكرت وحدي بتركيز شديد وأفردت الساعات الطوال لتقوية نفسي في اللغة العربية .. لم ألجأ لأبي أو أمي .. لم أطلب درسًا خصوصيًا .. فقط قررت أن أتصدى له وحدي.. وفعلت .. نعم فعلتها بفضل الله .. وحصلت على الدرجة النهائية في اللغة العربية في الابتدائية رغم أنف مستر عبد الفتاح .. انتصرت عليه حقًا .. أم انتصرت على نفسي ..انتصرت على خجلي ونقطة ضعفي ؟!!
وعندما رأيته في أول حصة في أولى اعدادي لاحظت نظرات التقدير منه والتي قابلتها بنظرات الانتصار ..وسبحان الله .. قام مستر عبد الفتاح بنداء اسمي وحياني شخصيًا وضرب المثل بما فعلته لباقي التلاميذ .. جلست والفخر يغلفني ولم تمس عصا مستر عبد الفتاح يدي بعدها أبدًا وكان دومًا يسألني بمنتهى الثقة في إجابتي الصحيحة خاصة أمام الموجهين.
حين أفكر اليوم في هذه القصة وقد أصبحت في موقع الأستاذ المعلم أعتقد أنه كان شديد القسوة علىً حقًا ولولا أنني كنت طفلة عنيدة .. خجولة جدًا ولكني لا أقبل الهزيمة ولا الاستسلام لواقع مؤلم .. لولا ذلك مع توفيق الله عز وجل لكنت ممن يكرهون اللغة العربية بسببه وخاصة أننا كنا في مدرسة لغات ودراسة اللغة العربية قد تكون هامشية في هذه المدارس.. عندما أتأمل في هذه الحادثة البسيطة من حياتي أعتقد ان الله كان يعدني أن أكون معلمة قرآن ومحبة للغة العربية .. وأعتقد أن الله كان يعلمني بالتجربة الحياتية أن المعلم يجب ألا يكون مثل مستر عبد الفتاح .. المعلم يجب أن يكون مؤمنًا بتلاميذه مشجعًا داعمًا لهم .. ليس فقط للمتميزين أو المتفوقين وإنما الجميع .. كل طالب في قاعة الدرس يستحق أن يحصل على دعم وتفهم المعلم .. والمعلم الذي يقصر في ذلك هو نفسه يخسر الكثير .. ما يؤلمني أني كنت أتمنى أن اشعر تجاه مستر عبد الفتاح بالامتنان كما أشعر تجاه كل من تعلمت منهم وأدعو لهم جميعًا .. ولكنه لم يترك لي فرصة .. لم يشجعني .. لم يطمئني ... لم يدعمني .. وإنما كان يفرح بأخطائي ويشعر بالانتصار وهذا لا يصح أن يفعله معلم .. سامحه الله!!
ولكني لا أنكر أن هذا التحدي قد غيرني للأفضل ليس فقط في اللغة العربية - فقد صرت أهواها- وإنما ساعدني أيضًا أن أتخلص من مشكلة الخجل والخوف من المواجهة التي عانيت منها عدة سنوات وكذلك تعلمت البحث عن حلول والاعتماد على نفسي في حل مشاكلي وكان ذلك رحمة من الله العليم بما سوف أواجهه بعد ثلاث سنوات حين فقدت أمي وبدأت مواجهة الحياة "كلها" بمفردي..
#تأملات_في_زمن_فات
#ذكريات_الطفولة
#كن_داعمًا_لطلابك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق